اختص اللواء يحيى عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية السابق، الاتجاه، بمقال، تحدث عن مخاطر غش وتهريب الأدوية، كجريمة مزدوجة، تهدد صحة الأفراد، وتضرب أمن المجتمعات، فيما يتعلق بحجم الأزمة وآليات مواجهتها.. وإلى نص المقال..
تحدث فيه عن في زمن تتسارع فيه وتيرة الأمراض، وتتعاظم الحاجة إلى الدواء الآمن والفعال، يطلّ خطر غش وتهريب الأدوية، كجريمة مزدوجة، تهدد صحة الأفراد، وتضرب أمن المجتمعات.
فالأدوية المغشوشة أو المهرّبة لا تحمل في طياتها شفاءً، بل قد تكون سُمًّا قاتلًا يتسلل خلسة إلى أجساد المرضى، ويقوّض الثقة في النظام الصحي، إنها ليست مجرد مخالفة قانونية، بل اعتداء صارخ على حق الإنسان في العلاج الآمن، ومسؤولية التصدي لها تقع على كاهل الجميع: حكومات، ومؤسسات، وأفراد.
وفي هذا المقال، سوف أستعرض ظاهرتي غش الأدوية وتهريبها، مبينًا أسبابهما المتعددة، والآثار الخطيرة المترتبة عليهما على صحة الأفراد وأمن المجتمعات، ثم أتناول أبرز السبل الفعالة لمواجهتهما، والحد من انتشارهما.
وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، تقدر نسبة الأدوية المغشوشة والمزيفة في الأسواق العالمية بما يتراوح بين 10 إلى 15%، وترتفع هذه النسبة في بعض الدول النامية لتصل إلى أكثر من 30%، وتنتشر هذه الظاهرة بشكل خاص في بعض بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، والمناطق ذات الرقابة الدوائية الضعيفة.
وتشير تقديرات نسب الأدوية المغشوشة في مصر، وفقًا لنقابة الصيادلة، أن حجم الأدوية المغشوشة والمهربة يصل إلى 15% من حجم تجارة الأدوية في مصر.
وتعود أسباب انتشار غش الأدوية إلى عدة عوامل، من أبرزها، ضعف الرقابة القانونية والصحية، انتشار الفقر وزيادة الاعتماد على الأسواق غير الرسمية، الطلب المرتفع على الأدوية المنقذة للحياة أو باهظة الثمن، التطور السريع في تقنيات التزييف والتغليف، ضعف التعاون الدولي في تتبع سلاسل الإمداد الدوائي.
ويتم تصنيع الأدوية المغشوشة في مصر، في أماكن غير مرخصة تُعرف شعبيًا باسم “مصانع بير السلم”، وهي ورش صغيرة، أو مخازن مخالفة تقع في مناطق عشوائية، أو صناعية بعيدة عن أعين الرقابة، ولا تحمل أي ترخيص من وزارة الصحة، ويُستخدم فيها عمال غير متخصصين، دون تطبيق أي شروط صحية.
وتُستخدم شقق سكنية أو مخازن صغيرة، لتعبئة وتغليف الأدوية بعد تصنيعها، أو استيرادها كمادة خام، وتُعاد تعبئة الأدوية في عبوات تشبه الأصلية وتُصطنع البيانات الخاصة بالصلاحية والترخيص.
وتخلُص خطوات وآليات تصنيع الأدوية المغشوشة، في الحصول على المواد الخام الرخيصة، التي تُستورد من الصين أو الهند، أو تُشترى من السوق السوداء داخل مصر، وأحيانًا تُستخدم مواد غير فعالة أو غير دوائية، مثل النشا، أو مواد ضارة مثل الكافيين، أو الكورتيزون، ويتم خلط المواد يدويًا، أو باستخدام معدات بدائية وغير معقمة، دون إجراء أي اختبارات كيميائية، أو بيولوجية للتحقق من جودة المادة الفعالة.
ومن ثم تأتي خطوات التعبئة والتغليف، باستخدام ماكينات تغليف محلية، أو مستوردة من مواقع إلكترونية، أو يُعاد استخدام عبوات أدوية حقيقية، أو تُصمم عبوات مزيفة مشابهة تمامًا للأصلية، مع تزوير تاريخ الإنتاج والانتهاء، وأخيرًا يتم التوزيع والتسويق، إلى بعض الصيدليات الخاصة قليلة الرقابة، الأسواق الشعبية، والمتاجر الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
ومما يروج لتلك الأدوية المغشوشة، أن طريقة تغليفها قد يصعُب على المواطن، أو حتى الصيدلي التمييز بينها وبين العبوات الأصلية، انخفاض أسعارها يجذب المرضى محدودي الدخل، وعدم وجود نظام إلكتروني موحد، أو كفايته لتتبع سلسلة الإمداد الدوائي.
ونعرج فيما يلي، على تهريب الأدوية إلى ومن مصر، ونبدأ بتهريبها إلى داخل البلاد، والتي تكون منها، أدوية محظورة في مصر، أو غير مصرح تداولها، أو مستحضرات تجميل، ومنشطات جنسية، ومكملات غذائية، أو عقاقير مخدرة، تُستخدم خارج الإشراف الطبي (مثل الترامادول وغيره).
ومن أسباب انتشار تهريب الأدوية في مصر، ارتفاع أسعار بعض الأدوية في السوق المصري، مقارنة بأسواق أخرى، غياب بعض الأدوية من الصيدليات (النواقص الدوائية)، مما يدفع المواطنين أو التجار للجوء إلى السوق السوداء، الطلب المرتفع على بعض الأنواع، خصوصًا التي تخص التخسيس، الخصوبة، أو الأداء الجنسي.
وتهريب الأدوية إلى ومن مصر يتم عبر شبكات غير قانونية، تستخدم وسائل متعددة لتجاوز الرقابة الجمركية والصحية، عبر طرق برية، بحرية، جوية، وأيضًا إلكترونية.
وتعد المنافذ البرية مثل السلوم (على الحدود مع ليبيا)، وقسطل وأرقين (على الحدود مع السودان)، وسيناء ( على الحدود مع الكيان الصهيوني وقطاع غزة)، من أبرز نقاط التهريب، وتُخبأ الأدوية المهربة داخل شاحنات خضراوات أو سيارات خاصة، وتُستخدم أساليب متنوعة لتجاوز الرقابة الجمركية، مثل إخفائها في أماكن سرية داخل السيارات، أو حتى في خزانات الوقود الإضافية.
بينما تصل بعض الأدوية المهربة إلى مصر، عبر الموانئ البحرية والجوية، من دول مثل الهند والصين وتركيا، من خلال تزوير مستندات التخليص الجمركي، أو إدخال الأدوية تحت التمويه لتجاوز الرقابة.
وتُوزع الأدوية المهربة على صيدليات خاصة، خاصة تلك التابع بعضها لسلاسل صيدليات كبيرة، حيث يتم تخزينها في مخازن غير مرخصة، أو شقق سكنية قريبة لتجنب التفتيش المفاجئ، من قبل الجهات الرقابية والأمنية.
إلى أين تُهرّب الأدوية؟
وتُهرّب الأدوية من مصر، إلى دول تشهد صراعات، أو تعاني من نقص في الأدوية، مثل السودان وليبيا وسوريا، حيث يستغل المهربون الفارق الكبير في أسعار الأدوية بين مصر، وهذه الدول لتحقيق أرباح طائلة.
نهايةً، نؤكد على أن ظاهرتي غش وتهريب الأدوية من التحديات الخطيرة التي تواجه المنظومة الصحية في مصر، لما تمثّلانه من تهديد مباشر لحياة المواطنين، وتقويض للثقة في قطاع الدواء، وإضرار بالاقتصاد الوطني.
وإيمانًا منا بأن دور الباحثين عن الحقيقة، لا يقتصر على تبيان الأسباب والآثار والنتائج فقط، إنما يمتد إلى ضرورة تقديم الحلول القابلة للتطبيق، يستعرض الكاتب فيما يلي، بعض من الحلول المناسبة للسياق المصري، ومنها:
1. تشديد الرقابة والتفتيش الدوري، من خلال دعم وتفعيل دور إدارة التفتيش الصيدلي بوزارة الصحة، والقيام بحملات مفاجئة على الصيدليات، والمخازن والأسواق، لضبط الأدوية المغشوشة، أو المهربة.
2. الرقمنة والتتبع الإلكتروني للأدوية، بتطبيق نظام “الباركود” الموحد أو نظام تتبع رقمي للأدوية (Track and Trace) يسمح بمراقبة الدواء من المصنع إلى المستهلك، وربط الصيدليات والمخازن، بشبكة مركزية تتيح للجهات الرقابية تتبع حركة الأدوية.
3. التنسيق بين الجهات الرقابية، عبر تعزيز التعاون بين وزارتي الصحة، والداخلية، الجمارك، وهيئة الدواء المصرية لضبط الحدود والأسواق المحلية، وإنشاء قاعدة بيانات موحدة للأدوية المرخصة والمسموح بتداولها.
4. دعم التصنيع المحلي الموثوق، بتشجيع المصانع الوطنية لإنتاج الأدوية ذات الجودة العالية، لتقليل الاعتماد على الأدوية المستوردة التي تُهرب داخل البلاد.
5. تحديث التشريعات وتغليظ العقوبات، من خلال تعديل القوانين الحالية لفرض عقوبات رادعة، تصل إلى السجن المشدد والغرامات الكبيرة بحق المتورطين في الغش والتهريب، وإدراج جرائم الدواء ضمن الجرائم الاقتصادية الكبرى.
6. رفع وعي المواطن، بإطلاق حملات إعلامية لتوعية الجمهور، بمخاطر شراء الأدوية من مصادر غير موثوقة، أو عبر الإنترنت، وتشجيع الإبلاغ عن الصيدليات، أو الأشخاص المشتبه بتورطهم في هذه الممارسات.
والله من وراء القصد … وتحيا مصر، شعبًا وقيادة،،