يحتفل العبقري، هنري كيسنجر اليوم 27 مايو، بمائة عام من عمره، مما يجعله حدثاً استثنائياً ونادر الحدوث في العصر الحديث.
تعود جذور هنري كيسنجر إلى ألمانيا، حيث ولد في مايو 1923، شهدت طفولته ومراهقته ارتفاع نفوذ النازية، مما دفع عائلته اليهودية إلى الهروب من اضطهاد هتلر. انتقلوا في البداية إلى بريطانيا ثم إلى نيويورك، حيث استقر هنري كيسنجر، كانت فترة الهجرة صعبة ومحفوفة بالتحديات، لكن كيسنجر تمكن من التكيف والتحصّن بالمجتمع الأمريكي، حيث تفوق في دراسته وتألق بشكل لافت.
خلال الحرب العالمية الثانية، شارك هنري كيسنجر كجندي في صفوف القوات المسلحة، حيث تعرف على صعوبات الصراع وعُرف بشجاعته وتفانيه في الدفاع عن قيم الحرية والعدالة. كانت تلك التجربة تحمل العديد من التحديات والمخاطر، لكنها شكّلت جزءًا أساسيًا من تكوين شخصيته وقيمه.
وصوله لمنصب وزير الخارجية جاء في ظروف حساسة في الشرق الأوسط، خلال ذروة الصراع العربي الإسرائيلي في معركة أكتوبر 1973، خلال تلك الفترة، تقرب كيسنجر بشكل واضح من الرئيس الراحل أنور السادات وقاد عمليات التفاوض التي أدت إلى التوصل إلى صيغة مهدت لتحقيق اتفاقية سلام تاريخية.
في العام الماضي، أصدر كيسنجر كتابه الأخير الذي حمل عنوان “القيادة: ست دراسات في الاستراتيجية العالمية”، ومن خلال هذا الكتاب، استعرض كيسنجر سيرة ستة قادة عالميين حققوا إنجازات عظيمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكان الرئيس السادات من بينهم.
اعتبر كيسنجر أن السادات جسد معنى القائد الناجح وخصائص القيادة في ظروف غير مواتية وسياقات مليئة بالاضطراب والتحديات، وصفه أيضًا بأنه الزعيم المصري الذي صنع السلام مع إسرائيل وفتح الطريق أمام كل أشكال التسوية في الصراع العربي – الإسرائيلي، وهو مفهوم يُعرف بـ “استراتيجية التجاوز”.
وأشار إلى جانب آخر من شخصية السادات، وهو اعتقاده بأن السادات كان يحمل رؤية تؤكد استقلالية القرار المصري وعدم الاستعداد للخضوع للضغوط الخارجية، مع عدم الرغبة في السيطرة على الآخرين أيضًا.
وقد دعم كيسنجر هذا الاعتقاد بذكر واقعة حدثت بعد انسحابه من المناصب الرسمية، عندما التقى بالرئيس السادات، وقال له إن الولايات المتحدة ممتنة لدعم مصر في تعزيز صورتها كشريك للسلام أمام العالم، بينما أجاب السادات بثقة وصراحة أنه لم يكن يهتم بتحسين صورة الولايات المتحدة، وإنما كان يسعى فقط لمصلحة مصر.
أكد كيسنجر أن السادات كان يتحلى بصفتين مهمتين، فهو يولي القيم الأخلاقية والإنسانية اهتمامًا عند وضع السياسات، وكذلك يكون مستعدًا للمغامرة من أجل تحقيق أهداف تبدو غير ممكنة. وبهذا المعنى، تعد فكرة السلام كهدف إنساني مطلق فكرة أساسية في شخصية السادات، خاصةً بعد أن تجرب في شبابه تنفيذ الأفكار الثورية وتأثيرها السلبي على تحقيق استقلال مصر قبل ثورة عام 1952.