الدمار الذي يشهده السودان يفوق حجم الدمار الذي شهدته سوريا والعراق واليمن
لا يمكن القبول بوجود قوتين عسكريتين في البلاد
على المجتمع الدولي التدخل الفوري لوقف القتال في السودان والسماح بمرور مواد الإغاثة الإنسانية
عبدالله حمدوك اقترح أن تدعو مصر البرهان وحميدتي للتفاوض في القاهرة
كتب: خالد فؤاد
تتزايد وتيرة الحرب في السودان يوما بعد يوم، وسط تراجع آمال التوصل إلى تهدئة بين قوات الجيش السوداني برئاسة عبد الفتاح البرهان، والدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بـ حميدتي.
وأمس الأحد، نددت قوى مدنية وسياسية في السودان بالانتهاكات المروعة لقوات الدعم السريع، ضد سكان بلدات وقرى ولاية الجزيرة في وسط السودان، التي أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والجرحى، كما دفعت عشرات الآلاف من المواطنين إلى النزوح والتهجير القسري من مناطقهم.
أعقب ذلك قصف طيران الجيش تمركزات لقوات الدعم السريع في محاولة لردع قوات حميدتي وإحباط محاولات السيطرة على ولاية الجزيرة.
ولمعرفة تداعيات استمرار الصراع في السودان وأسباب وآليات الخروج عن عنق الزجاجة وصولا إلى وقف شامل لإطلاق النار وإحلال الاستقرار، أجرى «الاتجاه» حوارا مطولا مع الدبلوماسي أسامة صلاح الدين نقدالله، سفير السودان السابق لدى جنوب أفريقيا.
يرى صلاح الدين في حواره، أن كل طرف يسعى إلى الانفراد بالحكم والسيطرة على مفاصل الدولة السودانية، بكل ما يملكه من وسائل، دون أي اعتبار للمصالح القومية للبلاد .
وقال ، إن ملايين السودانيين قد نزحوا إلى الخارج أو في أقاليم أخرى، جراء ويلات الحرب والدمار والهلاك الذي نتج عن هذا الصراع الدائر بين أكبر قوتين عسكريتين في البلاد. وإلى نص الحوار:
لماذا تمردت قوات الدعم السريع على الجيش السوداني وحاولت الانشقاق عنه؟
في البداية لابد من الإشارة إلى أن قوات الدعم السريع، هي جزء من الجيش السوداني منذ عهد البشير، حيث قام البشير بتكوينها ، وشرعن وجودها بقانون خاص أجازه المجلس الوطني، ودعمها بالآليات والعتاد وتلقى أفرادها التدريب على أيدي قوات الجيش حتى أصبحت جزء منه.
وبعد الثورة الشعبية التي أطاحت بحكم البشير، نجح حميدتي من خلال توليه منصب نائب رئيس مجلس السيادة وبمعاونة ودعم ومساعدة البرهان من تكوين قوة اقتصادية لديها استثمارات واسعة وتمددت قواته وانتشرت وأصبحت قوة عسكرية موازية للجيش.حدثت خلافات بين القوتين للفشل في إيجاد صيغة توافقية بشأن دمج قوات الدعم السريع في الجيش لتكوين جيش نظامي موحد، وزادت حدة الخلافات حتى اندلاع المواجهات المسلحة وتحولها إلى حرب شاملة .
في رأيك ما عواقب وجود كيان مواز للجيش السوداني؟
بالطبع، هذا أمر في غاية من الخطورة، وبداية النهاية للدولة السودانية، فلا بد من إعادة دمج قوات الدعم السريع وإخراج الجيش من السلطة وتسليم البلاد لسلطة مدنية .
بمناسبة الحكومة المدنية، هل ترى أن الظروف مواتية الآن لإخراج الجيش من المشهد السياسي؟
علينا اولاً التوصل إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار، ثم عقد لقاءات مكثفة مع كافة الأطراف لوضع خارطة طريق للمرحلة الانتقالية بما يؤدي في نهاية المطاف إلى إخراج الجيش من المشهد وتسليم السلطة لحكومة مدنية .
هل ترى أن هناك استعداد من طرفي الحرب إلى تسليم السلطة إلى حكومة مدنية؟
لا، لكن من خلال الضغوط الشعبية والدولية، سيتم الرضوخ إلى هذه المطالب، وعلى الأطراف الدولية أن تقوم بدور إيجابي وملموس في الأزمة السودانية، من خلال الضغط على طرفي الصراع للوقف الفوري لإطلاق النار وإحداث التهدئة المنشودة.
هناك العديد من المبادرات التي تم طرحها مؤخرا من أجل وقف إطلاق النار.. لماذا لم تنجح أي من هذه المبادرات في التوصل إلى حل؟
هذا صحيح، وفي تقديري أن السبب يعتمد على تمسك كل طرف بالسلطة وتحقيق مكاسب عسكرية على الأرض لتعزيز موقفه التفاوضي لكن من المهم الإشارة إلى إنه لا طرف منتصر في هذه الحرب، فالمنتصر خاسر، والشعب السوداني هو من يدفع الثمن، حيث يشهد السودان أسوأ أزمة إنسانية في تاريخه ودمار شامل يفوق حجم الدمار الذي شهدته سوريا والعراق واليمن.
بين الحين والآخر يعلن كل طرف تحقيق مكاسب على الأرض.. في رأيك من المسيطر على الأرض حميدتي أم البرهان؟
في الحقيقة، لا تشير المعطيات الحالية إلى وجود أي انتصارات عسكرية لطرف على حساب آخر، فهناك من ينتصر في معركة ويخسر الأخرى، ولا أتوقع أن تنتهي الحرب بانتصار أي طرف سواء في المستقبل القريب أو البعيد. إنها حرب عبثية الخاسر فيها هو الوطن .
ما رأيك في الموقف المصري إزاء الأزمة السودانية؟
في الحقيقة، الموقف الرسمي المعلن هو أن مصر تقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف، وهذا الموقف يمكنها من القيام بدور حيوي حيال الصراع الدائر من خلال مبادرة لوقف إطلاق النار، وأتوقع أن اللقاءات التي تستضيفها مصر مع الأطراف السودانية والمكون المدني ستؤدي إلى نتائج في القريب العاجل.
ولا بد أن أشير إلى العلاقات المصرية السودانية تاريخية ومتجذرة، ومصر من أكثر الدول التي تتمتع بثقل إقليمي ودولي يمكنها من التوسط لدى كافة الأطراف.
وفي حال نجاح مصر في استضافة البرهان وحميدتي في القاهرة، سيؤدي الأمر إلى حلحلة الأزمة بشكل كبير والتوصل إلى وقف كامل لإطلاق النار.