بالمفهوم الحداثى والقانونى الحزب السياسى هو الكيان المعبر عن التكتل السياسى، فقد تكون تسعينات القرن الثامن عشر هى المنبت الزمنى لصدور هذا المفهوم فى الولايات المتحدة والذى انطلق على التوازى وللضرورة مع تبنى أمريكا الشكل الجمهورى للدولة، وانطلقت الفكرة للعالم وأصبحت بديلا عن التكتلات الدينية والعشائرية والممالكية والأسرية، الا أننا نلجأ للتكتلات السياسية التى تحتوى الأحزاب نفسها داخلها لأهداف مختلفة، وقد نرصد فى السياق الآتى اى التكتلات فى تقديرنا أكثر نجاحا واستمرارا وتحقيقا للأهداف الوطنية.
عرفت مصر التكتلات الدينية ذات الصبغة السياسية والتى عملت تحت ستار الظلام، وتكهفت فكرا وتنظيما وسلوكا، فغدت الكهوف طريقة حياة وفكر واعتقاد، هذا النمط السرى المريب من التكتلات هو المقلق للدولة ولكل الكيانات الأخرى المدنية التى تعمل تحت سطوع الشمس وتلتحف بجموع الناس دون تمييز، طال أمد ووجود كيانات الكهوف فى مصرنا، حتى كشفها خروجها للنور امام الجماهير كما حدث مع جماعة الاخوان وأحزاب الجماعات الإسلامية والتى انتفض الشعب فى مواجهتها، فكانت ثورة ٣٠ يونيو لتعلن فشل التكتلات الدينية السرية، ويجمع الجموع أنهم لا يتوقعون الأمان من جماعات الظلام، فكان الحكم المباشر من الشعب على التكتلات الدينية بالفشل وإغلاق ملفها للأبد.
تنشط فى مصر أيضا تكتلات سياسية لأشهر الأهداف التكتيكية وهى الانتخابات، فترى أحزاب من اليمين واليسار تتحالف فقط لعبور عتبة المجالس المنتخبة، فيتحالف المختلفون لنيل مكاسب صغيرة على أساس تكتيكى وليس أيديولوجى، وتستفحل (تحالفات الأعداء) فى ظل الانغلاق السياسى لأنها تمثل وقتها المحاولة الوحيدة المجدية للوجود على طاولات السياسة الرسمية، والسبيل الآمن لهندسة قوائم المصلحة للحصول على برلمان متنوع سياسيا متحد انتخابيا!! وهى معضلة سياسية لا تتحقق الا فى بلادنا، فتتكون برلمانات منزوعة الطعم والتوجه، ويصيب الحياة السياسية الوجوم والبلادة، مما ينعكس خطرا بالغا على النظام السياسى ويضعه وحده فى مواجهة الجماهير بلا موصلات سياسية تنقل عنه ومنه واليه، فيحتد الشارع لأنه بلا ممثل حقيقى فى مواجهة الدولة، و تغترب الدولة عن شعبها برغم مجهوداتها وانجازاتها.
النوع الآخر من التكتلات السياسية هى التكتلات الفكرية الأيديولوجية، مثل تكتلات اليسار أو الليبراليين بصنوفهم المختلفة، وقد تعتبر تلك التكتلات هى اقوى الأنواع صلابة أو هكذا يفترض، لكن للأسف تحدث انشقاقات وخلافات كثيرة من رغبة القادة التاريخيين (الكهنة) فى السيطرة على زمام الأمور واحتلال المقاعد الأولى على حساب الأجيال الأخرى وعلى أساس مبادئ قيام تلك التيارات من الأساس، فتجد قطاعاً كبيراً من الليبراليين لا يقبلون الآخر من بنى أفكارهم وعقيدتهم السياسية، ويتكتلون فى مواجهة اى انتخابات أو استحقاقات ديمقراطية داخلية فى كياناتهم بزعم الخوف من تدخلات الأمن!!، وتجد اليساريين والماركسيين يختلفون على مكاسب صغيرة فلا يعدلون فى تولى المقاعد القيادية وهم من يعتبرون أنفسهم أنصار العدالة، فمن مبادئهم التاريخية التوزيع العادل للدخل ولكنهم لم يتطرقوا للأسف للتوزيع العادل للسلطة الداخلية فى أحزابهم وتياراتهم !!
النوع الآخر من التكتلات وهو الأكثر جدية ونجاحا، هو التكتل على «ملف» أو هدف يتسق مع أفراده وفى نفس الوقت مع احتياج المجتمع لمخرجاته وأطروحاته، وقد يكون التكتل على انجاز مخرجات الحوار الوطنى فى ظرفنا القاهر حاليا هو أهم التكتلات وأكثرها تأثيرا ونجاعة، فمثلا كتلة الحوار والتى ضمت فى طياتها نخبة من الخبراء والساسة والشعبيين لعمل تحالف فكرى للتكاتف على البحث والتحليل للوصول لحلول لمشاكلنا الراهنة والمثارة فى محاور الحوار الوطنى الثلاثة (سياسي-اقتصادي-مجتمعي) هو شكل من أشكال التكتلات السياسية الواضحة والتى يمكن قياس معدلات نجاحها ورصد إخفاقاتها، وقد يكون البناء التنظيمى لهذا التكتل السياسى والفنى هو إقامة بناء لكل «ملف» تخصصى لبحثه وتمحيصه ثم عرضه على التكتل الأوسع لإضفاء الطابع السياسى على الحلول الفنية وصياغة البدائل الواقعية بوعى واتزان، ومن ثم يتضح ان التكتلات السياسية التى تقوم لمصلحة الجماهير ومتوافقة مع أهدافهم، وفى نفس الوقت تساند القضايا الكبرى والتحديات العظمى دون النظر لمصالح ضيقة هى التكتلات الأقوى تأثيرا ونفوذا فى نفوس المواطنين، وهى التكتلات الوحيدة التى لا تنفى الأحزاب ولا تهدد السلام التنظيمى داخلها .