تصدر خبر ذكرى وفاة منيرة المهدية مواقع التواصل الإجتماعي، حيث تحل اليوم الذكرى الـ138 لميلاد سلطانة الطرب منيرة المهدية، والتي ولدت في 16 مايو عام 1885م. تعتبر منيرة المهدية واحدة من أبرز المغنيات والممثلات المصريات، وقد اشتهرت بلقب “سلطانة الطرب”، وقد حققت إنجازات عديدة في مجال الغناء والتمثيل، حيث كانت أول امرأة تقف على خشبة المسرح في مصر والوطن العربي، وأول مغنية عربية سجلت أسطوانات موسيقية قدمت من خلالها تشكيلة واسعة من الأغاني التي تعبّر عن مشاعر الحب والحنين والفرح، لقد حققت هذه الأسطوانات شهرة واسعة ونجاحًا باهرًا، وساهمت في نشر فنها وتعزيز تأثيرها في المجتمع العربي.
وكان لمنيرة المهدية دور كبير في تطوير المسرح الغنائي العربي، حيث تمكنت ببراعة من تقديم أعمال فنية متميزة تجسدت في المسرحيات التي قدمتها وأسلوبها الفريد في الغناء، واستطاعت من خلال أدائها الاحترافي وصوتها العذب أن تلمس قلوب الجمهور وتأسرهم بتعابيرها الفنية العميقة.
لم تكن منيرة المهدية مجرد فنانة، بل كانت شخصية محبوبة ومحترمة في الأوساط الثقافية. عرفت بعلاقاتها المتميزة مع كبار الأدباء والمفكرين في ذلك الوقت، تواصلت صداقتها مع أمثال أحمد شوقي، أمير الشعراء، وغيرهم من العباقرة الأدبية، كانت هذه العلاقات الثقافية المتينة مصدر إلهام لها وأثرت بشكل كبير على إبداعاتها الفنية.
وتركت منيرة المهدية، سلطانة الطرب، بصمة قوية في تاريخ المسرح الغنائي العربي. لكن لا يمكننا إلا أن نذكر الدور الحاسم الذي لعبته في اكتشاف محمد عبد الوهاب، موسيقار الأجيال وأحد أبرز الشخصيات في الفن العربي، فقد فتحت منيرة المهدية أبواب المجد له بعدما رشحته لاستكمال ألحان مسرحية “كليوباترا” عندما توفي الشيخ سيد درويش.
تعتبر علاقة منيرة المهدية بأمير الشعراء أحمد شوقي من أبرز الروابط التي أثرت في مسيرة محمد عبد الوهاب. فقد كانت منيرة المهدية هي التي اكتشفته وقدمته للجمهور عندما أسندت له تلحين الفصل الثالث من مسرحية “كليوباترا” بعد وفاة سيد درويش بصورة مفاجئة، لقد قامت بمنحه دور البطولة أيضًا، وهكذا بدأ محمد عبد الوهاب مشواره في عالم الفن ليصبح فيما بعد موسيقار الأجيال. ولم يكن ذلك إلا بفضل ترشيح من أمير الشعراء، الذي رعى موهبته الفنية وتبناه.
بجانب إسهاماتها الفنية البارزة، لعبت منيرة المهدية دورًا هامًا في تجاربها اللقائية المميزة مع عدد من كبار الأدباء، فقد شهدت لقاءاتها الفنية بمواقف لا تُنسى مع شخصيات أدبية عظيمة، حيث تبادلت الإلهام والتأثير معهم. ويذكر الكاتب الصحفي سعيد الشحات في موسوعة “ذات يوم” تفاصيل هذه اللقاءات التي تركت أثرًا قويًا في تاريخ الفن والأدب العربي.
أحد اللقاءات البارزة كانت بين منيرة المهدية وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، حيث قلد الموسيقار محمد عبد الوهاب أمامه وأمام منيرة المهدية أثناء أدائه لأغنية “كليوباترا” في صبا شبابه، وعندما أخبره الكاتب الصحفي كمال الملاخ بما جرى، أشعر “عبد الوهاب” بفخر واستدعى ذكرياته المميزة مع طه حسين. وتأكيدًا على الروابط الثقافية المشتركة، كان أمير الشعراء أحمد شوقي حاضرًا في بعض هذه اللقاءات، وفقًا لما ورد في الصفحة الأخيرة من جريدة الأهرام في 17 يونيو 1969.
في بداية عصر أم كلثوم، كان هناك مطربة بصوتٍ رائعٍ من بين أجمل الأصوات النسائية التي عرفتها مصر، وهي منيرة المهدية، هكذا وصف الأديب العالمي الراحل نجيب محفوظ هذه الفنانة في مذكرات الناقد رجاء النقاش السابق ذكرها، وأضاف “محفوظ” أنه تشرف بحضور آخر حفلات منيرة المهدية، حيث لاحظ فيها تأثرها بتقدم العمر، حيث كانت تغني وتسعل قليلاً، وبعد انتهاء الحفل، قررت اعتزال الفن نهائيًا.
كان لقاء نجيب محفوظ بمنيرة المهدية لحظة لا تُنسى في تاريخ الفن والأدب. حيث وصف محفوظ صوتها بأنه من نفس طبقة صوت أم كلثوم أو أقل درجة، وتشير كلماته إلى تقديره وإعجابه العميق بمنيرة المهدية وإلى مدى تأثير صوتها الرائع عليه.
وظهرت تأثيرات الزمن على منيرة المهدية خلال الحفل الذي حضره نجيب محفوظ. كانت تغني قليلاً وتسعل قليلاً، ورغم ذلك، استطاعت أن تلهم وتؤثر في جمهورها حتى اللحظة الأخيرة من حياتها الفنية. إلى أن انتهى الحفل، وقررت بعده اعتزال الفن نهائيا .