في عالم يتسارع فيه تطور التكنولوجيا العسكرية بشكل غير مسبوق، تقف الصين اليوم على أعتاب إنجاز يمكن أن يعيد رسم ملامح الحروب الجوية كما نعرفها. نتحدث هنا عن الطائرة غير المأهولة العملاقة “جيو تيان” – والتي تُلقّب بـ”أمّ المسيرات”، والتي تعد أول حاملة طائرات مسيّرة في العالم تحلق في السماء، لا في البحار. وفقًا لمجلة “ميليتري ووتش” المتخصصة، فإن هذه المنصة الثورية قد تبدأ أولى رحلاتها التجريبية نهاية عام 2025، في خطوة تُعتبر اختراقًا غير مسبوق في المفاهيم العسكرية الحديثة.
لكن… ما الذي يجعل “جيو تيان” مختلفة إلى هذا الحد؟ ولماذا ينظر إليها البعض باعتبارها سلاح المستقبل القادر على قلب موازين القوى العالمية؟

لنبدأ بالمواصفات التقنية المذهلة. صُممت الطائرة “جيو تيان” لتكون منصة جوية استراتيجية ضخمة، قادرة على التحليق على ارتفاع يصل إلى 15 ألف متر – أي أعلى من غالبية الطائرات التجارية – وبمدى طيران يتجاوز 7000 كيلومتر، ما يمنحها القدرة على الوصول إلى مناطق بعيدة وبيئات معقدة دون الحاجة إلى قواعد انطلاق تقليدية.
لكن النقطة الفاصلة هنا هي قدرتها على حمل وإطلاق أكثر من 100 طائرة مسيّرة صغيرة ومتوسطة الحجم أثناء الطيران. هذه الطائرات لا تُطلق فقط من على متنها، بل تبقى على اتصال مباشر بها، وتخضع لقيادتها وتحكّمها طوال المهمة. أي أن “جيو تيان” لا تُعد مجرد وسيلة نقل للمسيّرات، بل هي منصة قيادة وسيطرة جوية متكاملة.
ومن خلال التحكم بأسراب من المسيّرات الهجومية أو الاستطلاعية أو حتى التشويش الإلكتروني، يمكن للطائرة “جيو تيان” تنفيذ مهام معقدة في بيئات عالية التهديد دون تعريض الطيارين البشريين للخطر. إنها ببساطة: غرفة عمليات عسكرية تحلق فوق السحاب.
هذه القدرات الفريدة تم الكشف عنها لأول مرة خلال معرض “زوهاي الجوي” في الصين في نوفمبر 2024، حين ظهرت “جيو تيان” لأول مرة علنًا. ومنذ ذلك الوقت، أثارت اهتمامًا واسعًا من خبراء الدفاع حول العالم، واعتبرها كثيرون ثورة في مفهوم “الحاملات الجوية”، الذي ظل حبيس الأوراق والمختبرات منذ أيام الحرب الباردة.
ويأتي تطوير هذا النوع من الطائرات في ظل تحوّل عالمي متسارع نحو استخدام المسيّرات في ميادين المعارك، حيث أثبتت فاعليتها في حروب كثيرة مثل أوكرانيا، السودان، اليمن، وجنوب لبنان. أصبح المشهد القتالي الحديث يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي، والمراقبة الفورية، والاستهداف الدقيق، وهو ما يجعل من “جيو تيان” أداة مثالية لقيادة هذا التحول.
لكن “جيو تيان” ليست مفردة في عالم الطيران الصيني المتطور. فقد سبقتها مسيّرات شبحية مثل “CH-5″، التي تتميز بمدى بعيد وقدرة هجومية عالية، وطائرة “WZ-9” المخصصة لعمليات الحرب الإلكترونية، وكذلك “WZ-7” التي تُعد الطائرة النفاثة الوحيدة المصممة للتحليق بسرعات فرط صوتية ضمن فئة الطائرات غير المأهولة.
ورغم هذه القفزات، يبقى مشروع “أمّ المسيّرات” هو الأكثر طموحًا وتعقيدًا على الإطلاق. فهو يتطلب تنسيقًا بالغ الدقة بين الذكاء الاصطناعي، والأنظمة الرادارية، والتحكم الذاتي، والاتصالات المشفرة في الوقت الحقيقي. ومن هنا، تتوقع مجلة “ميليتري ووتش” أن يكون نجاح “جيو تيان” ممكنًا فقط بسبب الريادة الصينية في تطوير الذكاء الاصطناعي العسكري، حيث تقوم الصين بإجراء أكبر عدد من الأبحاث في هذا المجال عالميًا.
وإذا نجحت الرحلات التجريبية المقررة أواخر عام 2025، فإن “جيو تيان” قد تدخل مرحلة التصنيع المتسلسل، مع احتمال إنتاج نسخ مستقبلية أكبر حجمًا، أو أكثر قدرة على التحكم في أنواع مختلفة من المسيّرات المتطورة، بما فيها المسيّرات الفرط صوتية أو الشبحية بالكامل.
وفي حال دخول هذا النوع من الحاملات الجوية الخدمة الفعلية، فإننا قد نكون أمام تحوّل نوعي في طبيعة القوة العسكرية الجوية. فلم تعد القوة الجوية تعتمد فقط على الطائرات المأهولة، أو على الحاملات البحرية الضخمة، بل يمكن أن تصبح السماء موطنًا لحاملات طائرات كاملة… بدون طيار.
إنها رؤية مستقبلية كانت في الماضي من وحي الخيال العلمي، أما اليوم فهي تكاد تصبح واقعًا في مصانع ومختبرات الصين. وبينما يتساءل العالم: هل ستكون “جيو تيان” بداية عهد جديد في الحروب؟ تواصل بكين اختبار حدود الممكن.
في عالم يتسارع فيه تطور التكنولوجيا العسكرية بشكل غير مسبوق، تقف الصين اليوم على أعتاب إنجاز يمكن أن يعيد رسم ملامح الحروب الجوية كما نعرفها. نتحدث هنا عن الطائرة غير المأهولة العملاقة “جيو تيان” – والتي تُلقّب بـ”أمّ المسيرات”، والتي تعد أول حاملة طائرات مسيّرة في العالم تحلق في السماء، لا في البحار. وفقًا لمجلة “ميليتري ووتش” المتخصصة، فإن هذه المنصة الثورية قد تبدأ أولى رحلاتها التجريبية نهاية عام 2025، في خطوة تُعتبر اختراقًا غير مسبوق في المفاهيم العسكرية الحديثة.