مع بداية الأيام المشهودة من شهر ذي الحجة، يطل على المسلمين يوم التروية، أحد أعظم أيام الحج، والذي يمثل أولى محطات ضيوف الرحمن في رحلتهم الإيمانية. يصادف هذا اليوم الثامن من ذي الحجة، ويُعد من الأيام المباركة التي تسبق يوم عرفة، حيث يبدأ الحجاج التوجه إلى مشعر منى، اقتداءً بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، استعدادًا للوقوف بعرفة في اليوم التالي.
وسُمّي يوم التروية بهذا الاسم لأن الحجاج في الماضي كانوا يتزودون فيه بالماء قبل انطلاقهم إلى عرفات، حيث لم تكن مصادر المياه متوفرة هناك كما هي اليوم. فكانوا يرتوون ويتزودون بالماء والطعام تحسبًا لمشقة الطريق، فظل الاسم شاهدًا على عراقة هذه الشعيرة وتاريخها العريق.
يقضي الحاج هذا اليوم في منى، حيث يُستحب له الإكثار من الذكر والتلبية والصلاة، والمبيت هناك حتى طلوع فجر يوم التاسع من ذي الحجة. ويُعد هذا اليوم سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، الذي واظب عليه في حجة الوداع، لما فيه من تهذيب للنفس وتصفية للقلوب قبيل ذروة شعائر الحج في يوم عرفة.
يحمل يوم التروية فضلًا عظيمًا، إذ يُهيئ القلوب لمرحلة الخشوع والتقرب إلى الله، ويتيح للحاج فرصة التأمل في المعاني السامية لمناسكه. كما يرمز إلى الاستعداد النفسي والروحي للوقوف على صعيد عرفات، حيث يغفر الله الذنوب ويتنزل برحمته.
ولا يقتصر فضل هذا اليوم على الحجاج فقط، بل يُستحب للمسلمين في كل مكان الإكثار من الأعمال الصالحة والدعاء في هذه الأيام المباركة، التي هي من أحب الأيام إلى الله. فالتروية ليست مجرد محطة زمنية، بل هي لحظة إيمانية عميقة تُمهد للقلب طريقه نحو عرفات، حيث يكتمل المقصد وترتفع الأكف رجاءً وقربًا من الله.