راوحت فكرة الديمقراطية الغربية مكانها مابين استعمالها كحصان طروادة لتحقيق أهداف سياسية وغياب القيم الجوهرية لها التي من المفترض أن تقوم على المساواة وتكافؤ الفرص.
ذلك ما أكده ضيف برنامج شؤون دولية رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية العميد سمير راغب، خلال الحلقة الأولى من البرنامج الذي يبث على شاشة قناة المغترب الفضائية والذي يتطرق في سلسلة من الحلقات الى العديد من القضايا على الساحة الدولية يسبر أغوارها محللون وسياسيون بارزون.
وأشار العميد راغب الى أن فكرة تكافؤ الفرصة كمبدأ رئيس للديمقراطية غير موجودة في الولايات المتحدة بصرف النظر عن شكل العملية الديمقراطية القائمة، حيث لاتزال الفوارق العنصرية بين الفئات المختلفة عميقة مثلا العرق الأبيض مايزال المسيطر والتمييز يسود المجتمع الامريكي ونخبه الحاكمة وهذا مناف للممارسة الديمقراطية وتكافؤ الفرص والمساواة.
خارجيا يرى أن في جوهر القيم الديمقراطية عدم التدخل في شؤون الدول واحترام العلاقات بين الدول، بينما امريكا تعتبر التدخل في شؤون الدول الاخرى شأنا داخليا، حيث تنقسم نظرة التيارات المندرجة ضمن الجمهوريين والديمقراطيين لثلاثة توجهات تجاه منطقتنا فمنهم من يقول بتطبيق الديمقراطية في المنطقة طبقا للقيم الاميركية كما فعلت كونداليزا رايس والعناوين التي افرزتها تلك المرحلة من فوضى خلاقة وشرق أوسط جديد وما الى ذلك وتيار اخر يقول بترك اختيار النموذج الديمقراطي الذي يناسب كل دولة طبقا لنظرية اوباما وتيار ثالث يرى أن على امريكا الا تتدخل وليست معنية بتطبيق رؤيتها للديمقراطية على الدول الاخرى.
كما يقول رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية إنه من المفترض أن تحترم الديمقراطية الموروث الثقافي والديني والاجتماعي في الدول ف، فمثلا لدى الأمريكيين رؤيتهم الخاصة تجاه الجندر والشواذ وغيرها من القضايا التي تحاول امريكا فرض اتجاهات محددة حيالها على الدول الاخرى وهذا سياق آخر مناف للممارسة الديمقراطية.
ذرائع مختلفة أخرى تنتهجها الولايات المتحدة لتدمير الدول الأخرى كان تطبيق الديمقراطية ودعم الحريات إحدى رافعات هذه السياسية التي حصدت في النهاية دمار بلدان مثل العراق ليبيا وأفغانستان – على حد قوله.
وفي معرض إجابته على سؤال المذيعة عن كون الديمقراطية الغربية مثالا قد يحتذى به ولو في جزئيات بسيطة، يرى العميد راغب أنها لاتعد مثالا بسبب ازدواج المعايير في الممارسة الديمقراطية نفسها واستخدامها ذريعة سياسية لتحقيق المكاسب، حيث تتداخل مصالح عميقة ولوبيهات في رسم السياسة الأمريكية تجاه الدول الاخرى والتي تخرج على أنها قرارات وتوجهات تحت شعارات تدعيم الديمقراطية في تلك الدول مثل التدخل الامريكي في العراق والصومال وكان لكل تدخل توجهاته التي تحقق مصالح اقتصادية وسياسية دون أن يكون للديمقراطية أو تطبيقها شأنا بذلك.
كما لفت الى أن الديمقراطية الأمريكية في حقيقتها عبارة عن عصا غليظة توجهها الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها الخارجية، فلنتذكر حينما حينما اقتحم انصار ترمب الكابيتول رأينا نزول الجيش الامريكي واستخدام القوة ضد المحتجين، بالمقابل في كل الدول التي حصل فيها حراك ونزل الجيش خرجت الولايات المتحدة للتنديد باعتبار استخدام الجيش في مواجهة الاحتجاجات ضد الديمقراطية والحريات ازدواجاً في المعايير.
وأكد العميد راغب أنه يوجد داخل الولايات المتحدة أعمال اعتقال وقتل خارج اطار القانون وتتبع واشنطن سياسة استخدام الفرق والاقليات الأثنين لدعم نزاعات في العديد من الدول الأخرى.
أما عن الأسس الناظمة للممارسة الديمقراطية، فيرى المحلل السياسي ورئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، إن علاقة الحاكم بالمحكوم التي يحددها النظام السياسي وفق الدستور، ونوع الدستور يحدد النهج والأسس الديمقراطية للدولة، ولكن يجب التأكيد على أن العدالة كمنظومة جزء أصيل من قيم الديمقراطية وغيابها يعد اختلالاً كبيراً في الديمقراطية، ومثل ذلك حق الدول المتساوي في المجتمع الدولي وتطبيق قوانين العقوبات بما يناسب الفعل دون إفراط أو تفريط كلها ممارسات ديمقراطية والاخلال فيها إخلال في الديمقراطية.
وفي رده على سؤال المذيعة حول تقييم الديمقراطية الأمريكية في الشرق الأوسط، يرى العميد راغب أن الولايات المتحدة التي تدعي تصدير الديمقراطية لم تنجح في أي دولة عربية أو غير عربية بتطبيق أي نموذج ديمقراطي، متطرقا الى أمثله لدول جلبت اليها أمريكا الدمار في الوقت الذي تذرعت في تدخلاتها بتطبيق الديمقراطية.
الى ذلك، تحدث رئيس تحرير صحيفة براون لاند محمد سعد كامل عن تجربة الديمقراطية الأمريكية في السودان بشكل خاص وفي أفريقيا بشكل عام، لافتا الى أن أفريقيا والسودان شاهد حي تاريخيا على أن واشنطن وبتدخلاتها الطويلة تحت ذرائع الحريات والديمقراطية لم تفعل شيئا ايجابياً، وكل ما فعلته مضاعفة المشاكل وزيادة العقوبات الاقتصادية التي تفرضها على دول افريقية من بينها السودان.
وقال أن الولايات المتحدة تتبع تجاه الكثير من الدول الأفريقية سياسة العصى والجزرة وتخضعها للابتزاز تحت وعود معينة وعادة ما يتدخلوا في شكل الأنظمة ويطالبوا بتغيير السياسات والتدخل في سيادة وشؤون الدول الأفريقية، وهو الأمر الذي حصل مع السودان بما في ذلك الدور الأمريكي الذي أدى لإنفصال جنوب السودان.
وعن المؤتمر الأمريكي الأفريقي الذي دعت له واشنطن مؤخرا والذي جرى بدعوة دول محددة لم تكن السودان من بينها، كان يهدف لإعطاء رسالة بتغيير النهج الأمريكي حيال أفريقيا، والحقيقة أن أفريقيا لم تجني الا التدخلات وتعميق الأزمات الاقتصادية والعقوبات والدمار- على حد تعبيره.
ومن الجزائر انضم ضيف الحلقة الكاتب والمحلل السياسي محمد وعيل عبر “سكايب”، متحدثا عن مدى وطبيعة ثقة العرب والأسيويين بالديمقراطية الأمريكية، لافتا الى أن الولايات المتحدة تحكمها المصلحة في علاقاتها مع الدول العربية وغيرها وطالما خذلت حلفائها ولايمكن الثقة بالولايات المتحدة بالنظر الى تجارب العالم العربي والدول الأسيوية القاسية معها وليس ماحدث في العراق وليبيا وأفغانستان والتوترات مع الصين ليست كلها عنا ببعيد.
وأشار وعيل الى أن الديمقراطية الأمريكية نسبية تتلون كما تتلون الحرباء لتحقيق مصالح وأهداف سياسية، وطالما حاولت استنزاف ثروات الدول الاخرى واستهدافها اقتصاديا وحين نتحدث عن الثقة سيقودنا الأمر للتساؤل ماذا قدمت الولايات المتحدة الأمريكية للعرب والأسيويين، والأكيد أنها لم تقدم شيئا بل أخذت منهم كل شيء.
وبالعودة لضيف الحلقة في الأستوديو رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية العميد سمير راغب، وحديثه عن علاقة الديمقراطية الأمريكية وتحقيق السلام من جهة واعتبارها سلاحا للتدخل في ملفات المنطقة من جهة أخرى، حيث يشير الى أن التدخلات الأمريكية عمقت ظاهرة الإرهاب، الى جانب أن تعميق النزاعات على أسس عرقية وطائفية في الكثير من البلدان التي كانت مستقرة.
كما أشار الى أن المواطن العربي فقد الثقة بالديمقراطية الأمريكية التي باتت في كثير من الأحيان عبارة عن تجارة واستثمار سياسي لاغير، لافتا في حديثه الختامي الى أن الديمقراطية الحقيقية تبدأ من القاعدة للقمة من ثقافة المجتمع وممارستهم للسياسة على أساس تطبيق القانون والمحافظة على كيان الدولة، مؤكدا أن العرب والمسلمين هم من علموا الناس الديمقراطية كممارسة سليمة ولم يكن منشأها غربيا.