في عام 1848، صدر كتاب للفيلسوف الفرنسي الشهير مونتسيكيو، تحدث من خلاله عن رؤيته الفلسفية لصلب العلاقة بين نص القانون وروحه، عن العلاقة التكاملية بينهما، وعدم إمكانية الفصل بأي حال بين نص القانون في شكله الخارجي وروحه في جوهرها.
يرى الفيلسوف الفرنسي، في كتابه «روح القوانين» أن عدم القدرة على تحقيق التكامل بين النصوص القانونية وروح القوانين، تعني تفريغ القانون من مضمونه، ومن ثم انهيار المجتمعات وتخلفها!
تذكرت هذه الرؤية الفلسفية، خلال متابعتي للأخبار التي يتم تداولها بين الحين والآخر عن اليوتيوبر المصري المهندس أحمد أبو زيد، أحد أشهر صناع المحتوى التعليمي في مصر والعالم العربي، الذي قُبض عليه في 31 ديسمبر الماضي، بحوزته أكثر من 163 ألف دولار، بتهمة «التعامل غير المشروع في الإتجار بالنقد الأجنبي خارج نطاق السوق المصرفية»، بحسب بيان رسمي لوزارة الداخلية.
ودارت برأسي تساؤلات عدّة، هل يتبع القانون المجتمع أم العكس، هل يمكن للقاعدة القانونية وحدها تنظيم المجتمع؟ هل يعترف القانون بروحه أم بالنص فقط ؟ هل تطبيق روح القانون فيه مخالفة للقانون؟.
الإجابة، قطعا لا، القوانين الجامدة لا تبني مجتمعات سوية، فإذا حكم القاضي بروح القانون فقط؛ فلا يمكن أن يكون الحُكم للقانون عادلاً؛ وإذا حكم بالقانون فقط؛ فلا يمكن أن يكون الحُكم عادلاً لروح القانون، لابد أن يكون الحكم بالاثنين معاً، القانون وروحهُ.
فروح القانون هي مجرد فكرة أو قناعة تتضح عند تفسير النص بجميع تفاعلاته وتظهر للقاضي عند دراسته لأوراق الدعوى، كي يخرج الحكم عنواناً للحقيقة..
هنا يتعامل القاضي مع المتهم من منطلق كلي وليس جزئي، بمعنى أن ضبط طبيب يعمل بالخارج بحوزته مبالغ دولارية، يختلف كليا عن ضبط عامل فني مقيم في الداخل وبحوزته نفس المبالغ الدولارية، فالأول هنا، قد يكون سبب احتفاظه بالدولار، نابع من مخاوفه المستقبلية، ورغبته في تأمين نفسه وأسرته من أي تقلبات اقتصادية، جراء الأزمات العالمية المحيطة، في غزة، ولبنان والسودان واليمن وسوريا مؤخرا، وتداعياتها على قناة السويس والسياحة المصرية. أما الثاني، فالشبهات تحوم حول إتجاره في العملة بهدف الربح وتحقيق الثراء السريع في ظل عدم وجود مصدر واضح للحصول على الدولار، وهكذا…
حديثي هذا، في ظل ما يردده مئات الآلاف من المتابعين لقضية الشاب المذكور، التي تحولت إلى «تريند» في ساعات معدودة فور القبض عليه، كونه يتمتع بخلق وعلم وحب لأسرته ووطنه.
أحمد شاب ريفي بسيط، يغلب على أسرته ملامح العفوية والبساطة، أكمل دراسته في مجال الهندسة المدنية، وعمل في الهندسة لفترة قصيرة، قبل أن يتمرد ويتبع شغفه في التعليم الهادف وصناعة المحتوى.
أطلق أحمد قناته «دروس أونلاين» في العام 2013، وبدأ بتقديم مقاطع فيديو تُركز على تطوير المهارات الشخصية والتعليمية مثل تعلم اللغات الأجنبية، وبرامج المونتاج، وكتابة المحتوى، بالإضافة إلى نصائح لتحسين الإنتاجية وتنظيم الوقت.
أحمد نموذج للشاب المصري الدؤوب المكافح، شق طريقه بمفرده، نموذج نفخر به، في ظل حالة العبث وجنون التريند وأحلام التربح السريع التي أضحت تسيطر على عقول أبنائنا.
أثق في عدالة القضاء الناجزة، وفي مراعاته لكافة الظروف الاجتماعية المحيطة، وأن الحُكم سيكون عنوانا للحقيقة.