في زمنٍ تتراكم فيه المعلومات الطبيّة الجافة، ويُثقل المصطلح العلمي كاهل القارئ العادي، يأتي كتاب «حكايا طبيب الأسرة» للدكتور صلاح الدهان ليقدّم نموذجًا جديدًا في التثقيف الصحي، يجمع بين الإنسانية والمعرفة، والقصة والمعلومة، في توليفة أدبية تثقيفية تُعيد للطب بُعده الإنساني الدافئ.
الكتاب الصادر عبر منصة «كتبنا» للنشر لا يكتفي بسرد الحالات المرضية من منظور علمي، بل يغوص في تفاصيل المشهد اليومي داخل العيادة، حيث الألم الصامت، ودمعة المريض، وصوت الأم القلقة، ليروي من خلالها قصصًا واقعية عاشها المؤلف طبيبًا ومُعالجًا وشاهدًا على معاناة الناس.
في كل فصل، يُقدّم الدكتور الدهان حالة مرضيّة بأسلوب قصصي بسيط، يفتح من خلالها نافذة لفهم المرض، أسبابه، تشخيصه، وعلاجه، مع الحرص على تصحيح المفاهيم الطبية المغلوطة، مثل: “محاكمة فيتامين د”، و”طقطقة المفاصل”، و”الفهم الخاطئ لإدمان الفينتولين”. يُقدَّم كل ذلك بلغة فُصحى سهلة، تُشبه الأسلوب الصحفي أكثر من كونها لغة علمية متخصصة، لتصل الرسالة الطبية إلى أكبر شريحة ممكنة من القراء.
ولا يكتفي الكتاب بعرض المعلومات، بل يُوجّه القارئ إلى كيف يتصرف، ومتى يراجع الطبيب، وما العلامات التي لا يجب تجاهلها، ليكون بذلك دليلًا عمليًا يُرافق الأسرة في رحلة الوعي الصحي.
اللافت أن المؤلف يُضفي على الأمراض صوتًا وروحًا، فيجعل من هشاشة العظام “المرض الصامت” متحدثًا يقول: «لا تشعرون بي حتى تسقطوا فتكسرون!». هذه اللغة المُحمّلة بالعاطفة والمجاز تجعل القارئ لا يحفظ المعلومة فقط، بل يشعر بها.
«حكايا طبيب الأسرة» ليس مجرد كتاب توعوي، بل هو جسرٌ بين الطبيب والمريض، بين المعادلة الصعبة: المعلومة الدقيقة والأسلوب الجاذب، يُناسب كل من يسعى لفهم جسده، حماية أسرته، واتخاذ قرارات صحية أذكى. الآباء، الأمهات، المراهقون، كبار السن، والمعلمون، جميعهم يجدون فيه ما يلامس حاجتهم لفهم الصحة بلُغة خالية من التعقيد.
الدكتور صلاح مهدي الدهان
استشاري متمرس في طب الأسرة، حاصل على الزمالة السعودية والزمالة العربية لطب الأسرة، يجمع بين الخبرة الطبية الواسعة والرؤية التثقيفية الإنسانية.