في تطور ميداني بارز، أعلن الجيش السوداني سيطرته الكاملة على العاصمة الخرطوم، وذلك عقب طرد آخر جيوب ميليشيا الدعم السريع من مناطق غرب وجنوب أم درمان، التي ظلت لعدة أشهر معقلاً رئيسياً لتلك القوات.
يأتي هذا الإنجاز العسكري بعد نحو عام ونصف من القتال المحتدم، الذي بدأ في أبريل 2023، وأسفر عن دمار واسع ومعاناة إنسانية غير مسبوقة.

ومع احتدام المعارك حالياً في مناطق دارفور ومحيطها، يسود تساؤل: هل يمثل سقوط الخرطوم من أيدي الدعم السريع نقطة تحول نحو إنهاء الصراع وتوحيد السودان وبداية حقيقية لسيطرة الجيش على كامل التراب الوطني؟
وفي محاولة لمعرفة الإجابات على هذه التساؤلات، أجرى «الاتجاه» حواراً خاصاً مع الكاتبة الصحفية والناشطة السياسية السودانية ريان الجفري، التي تحدثت عن دلالات تحرير العاصمة، ومستقبل ميليشيا الدعم السريع، والفرص المتاحة الآن لإعادة بناء الدولة، كما سلطت الضوء على دور القاهرة في دعم جهود السلام والاستقرار.
وتحدثت ريان أيضا بصراحة وجرأة عن التدخلات الإقليمية والدولية في النزاع الداخلي، متهمةً جهات بعينها بدعم المتمردين ضد الجيش السوداني، ومرجحةً قرب الحسم لصالح القوات المسلحة.
كما طرحت رؤيتها لمستقبل السودان، وأكدت رفضها لأي تسوية سياسية مع قوات الدعم السريع.
وإلى أبرز ما جاء من تصريحات في الحوار..
سيطرة الجيش على الخرطوم بداية حقيقة لتحرير السودان من الميليشيا
ميليشيا الدعم محاصرة في دارفور ولا وجود فعلي لها في بقية الولايات
لا تفريط في أي شبر من السودان ودارفور ستعود كاملة تحت سيطرة الدولة
هناك انقسامات داخل ميليشيا الدعم وبعض قادتها الميدانيين انضموا للجيش
لا تصالح ولا تفاوض مع ميليشيا الدعم السريع والمجد للبندقية حتى آخر المعركة
صاحب منزل مصري أُغلق علينا بالمفتاح… ليحمينا!
مصر احتضنتنا كأم.. ولم نشعر بالغربة لحظة
في مصر.. لم تُنصب لنا خيام… بل فُتحت لنا البيوت والقلوب
المصريون شاركونا في كل شيء البيوت والمدارس المستشفيات ولم يفرضوا علينا ضرائب
كتب خالد فؤاد
ما رأيك في التحولات الأخيرة في مسار الحرب وإعلان الجيش سيطرته الكاملة على الخرطوم؟
بالطبع، الخرطوم العاصمة هي العمود الفقري للدولة السودانية، وبداية للسيطرة الكلية على جميع المدن السودانية، وتمثل هذه الانتصارات المتتالية، ردا واضحا على من يشككون في قدرات الجيش أو حتى يتحدثون عن تكافؤ القدرات العسكرية بين الجيش والميليشيا المتمردة.
لماذا اتجهت الحرب خلال الأيام الماضية ناحية الشرق لأول مرة؟
الحرب تغيّرت بشكل كبير واتجهت نحو الشرق، خاصة منطقة بورتسودان، وهي منطقة استراتيجية بها استثمارات وموانئ، ومطلة على البحر الأحمر، باعتبار أن السيطرة على هذه المنطقة أصبحت محل تنافس حاد، لا سيما بعد أن سيطر الجيش عليها منذ بداية الحرب، وفي تقديري أن محاولات استهدافها جاءت ردا على انتصارات الجيش وهجومه على مراكز الدعم السريع في نيالا.
ميليشا الدعم تحت الحصار
ما هي آخر تطورات المعارك في دارفور؟
ميليشا الدعم محاصرة في دارفور ولا وجود فعلي لها في بقية الولايات، حتى وجودها في نيالا مهدد، هناك انقسامات داخل قواته، وبعض القادة الميدانيين انضموا للجيش.
زادت الأحاديث عن دعم دولي للدعم السريع.. ما هي الجهات الخارجية التي تدعمها في رأيك؟
كينيا تدعم الدعم السريع، وكذلك جنوب السودان. هذا الدعم لا يقتصر على أفراد، بل هو دعم رسمي من الحكومات. وهذا أخطر ما تواجهه الحرب في السودان.
هناك أحاديث عن تقسيم السودان في محاولة لإنهاء الصراع.. ما رأيك؟
لا تفريط في أي شبر من السودان، ودارفور ستعود كاملة تحت سيطرة الدولة، والحديث عن التقسيم هو من دعايات الدعم السريع.
هل هناك أي إمكانية لحل تفاوضي بين الجيش وميليشيا الدعم؟
لا تفاوض مع من قتل وانتهك وأحرق، مثل حميدتي. المجد للبندقية حتى آخر المعركة. لا نرى في حميدتي شريكًا سياسيًا بل مجرم حرب، والمفاوضات معه مستحيلة.
هل يستيعن الجيش بالحركة الإسلامية في حربه ضد الدعم السريع؟ وما المقابل؟
نعم، كتائب البراء تقف إلى جانب الجيش، وهي مجموعات وطنية بعضها محسوب على الحركة الإسلامية، وهم يقدمون الدعم لجيش بلادهم دون مقابل سياسي.
هل هناك أي وعود لهذه الكتائب بمكاسب مستقبلية؟
لا توجد وعود رسمية. هم يقدمون الدعم لأنهم يؤمنون بوطنهم، وليس لأجل سلطة أو منصب.
ترددت أحاديث عن تصاعد نفوذ الحركة الإسلامية داخل الجيش.. ما ردك؟
التيار الإسلامي في السودان مختلف عن جماعة الإخوان المصنفة إرهابية في مصر. لا يسعى للسلطة أو التوسع، بل يعبر عن هوية وثقافة الشعب السوداني، الذي يحمل فطرة دينية بطبيعته.
الإخوان في مصر يسعون للسلطة، بينما التيار الإسلامي في السودان هو جزء من التركيبة الثقافية والدينية للشعب، ولا يحمل أطماعًا سياسية توسعية.
هناك مطالبات بتسليم السلطة للحكم المدني وتخلي الجيش عن السلطة كأحد أهم أدوات إنهاء الصراع.. ما ردك؟
أرى أن السودان لا يمكن أن يُحكم إلا عبر شخصية عسكرية قوية. التنوع القبلي والعنصري واللهجات المختلفة تجعل من الصعب جدًا قيام حكم مدني مستقر. الشعب السوداني بحاجة إلى قائد قوي عادل.
ما رأيك في التحركات المصرية الأخيرة لإنهاء الحرب في السودان؟
مصر تقف مع استقرار السودان، وطرحت الكثير من المبادرات، واستضافت كافة أطراف الصراع، ولكنها تواجه شبكة واسعة من الدول التي تدعم الدعم السريع مثل كينيا، جنوب السودان، إثيوبيا، وحتى الصومال، لذلك من الصعب أن تنجح أي دولة في فرض الاستقرار في ظل الدعم الدولي الضخم للميليشيا.
البعض يوجه انتقادات لمصر في أزمة اللاجئين بزعم عدم احتضان الحكومة للأشقاء السودانيين.. ما ردك؟
مصر لعبت دورًا كبيرًا جدًا، حكومةً وشعبًا. استقبلتنا بكل حب، فتحت لنا أبوابها، وسهلت دخولنا عبر المعابر دون تعقيد. الجندي المصري قال لي “ادخليها بسلام آمنين”، وهي لحظة مؤثرة لا تُنسى.
المصريون احتضنونا، لم نشعر بالغربة، شاركونا في كل شيء: البيوت، الأسواق، المدارس، المستشفيات، حتى أنهم لم يفرضوا ضرائب أو شروط إقامة معقدة.
عند وصولي إلى مدينة الرحاب بالقاهرة، لم أجد صاحب الشقة، فاستضافتني أسرة مصرية بالكامل في بيتها، قدموا لي الطعام والشاي، وتركوا البيت لي ولأسرتي لنرتاح، ثم أوصلونا بأنفسهم للشقة. لم أكن أعرفهم، لكن تصرفهم كان نابعًا من إنسانية عظيمة.